وفي أنفسكم .. أفلا تبصرون !؟
من بديع صنع الله سبحانه في أجسامنا
وكياننا _ وما أكثر بدائعه وعجائب صنعه فينا وفيما حولنا !_ ..
ذلك التحكم العجيب في الإدراك الحسي
للواقع ، وردود الأفعال المثيرة في الخارج ، حيث نجد أنفسنا ( أوتوماتيكياً ! ) نختار ما نعتقد أنه مهم بالنسبة
لنا ، في وقت معين من بين مجموعة ك بيرة من الاختيارات التي نتلقاها ، بل زعموا ، أن
هناك جهازاً صغيرا دقيقا خاصا بهذه المهمة ، يقع في المخ ، هو الذي يدير ويدبر أمر
هذه القضية العجيبة ..!
وذكروا أن وظيفة هذا الجهاز العجيب ،
أنه يلتقط أمراً محددا من بين شلال من المعلومات ، فيعطيه الأولية ، ويجعله في
الصدارة ، ويترتب على ذلك ما يترتب عليه ، من سلب أو إيجاب ..!
على سبيل المثال
:
في كل يوم تنهال علينا بشكل متتابع
مليارات المعلومات السمعية والبصرية والفكرية ، ويمكنك أن تشعر في ذات الوقت بحذائك
الذي يؤلم قدمك ، وبزقزقة العصافير في خارج غرفتك ، وبصوت التلفاز الذي يعمل في ركن
الغرفة ، وبصديقك المتذمر بقربك ، وبصوت فرملة سيارة في الشارع ، وبرائحة الشواء
التي تنبعث من المطبخ ، وهكذا ، وهكذا..
وهنا تأتي أهمية هذا
الجهاز الذي نتحدث عنه :
إنه يركز انتباهك على أشياء مختارة ،
من جملة تلك الأشياء الكثيرة المتداخلة ، وقد لا يلتقط لك سوى واحد منها ، فيجعل له
الصدارة في ذهنك ..!
ومن ثم فبفضله يمكنك أن تنفصل عن
العالم من حولك ، فتقرأ في كتاب وأنت في قطار له أصوات مثل الرعود ! أو في كافيتريا
تضج فيها الأصوات وتتداخل .. ! فتنعزل تماماً عن هذه الضوضاء المحيطة بك !
وقد تنام أم بعمق رغم العاصفة العنيفة
في الخارج ، وهي تهز النوافذ هزا شديدا ، لكنها تنهض فزعة ما أن يبكي طفلها الصغير
، أو حتى يئن ..!!
إن وظيفة هذا الجهاز العجيب أنه يختار
لك أتوماتيكيا ! ( ذبذبة ) أو قل ( محطة ) محددة ، ويقوم بإلغاء كل البرامج الأخرى
!!
وعندما تكون في حالة رضا وسعادة ، فإن
هذا الجهاز لا يرى العقبات والمشكلات التي تعترضك في يومك ، بل يجعلك في حالة
انشراح رغم كل شيء ، ذلك أنه لا يلتقط لك _ في الغالب _ إلا كل ما من شأنه أن يدخل
عليك المسرة !!
وهذا هو السبب _ على قول هؤلاء _ الذي
يجعل الحب ( أعمى ) !!
ولكن المصيبة حين يكون الإنسان ذا
طبيعة متشائمة قلقة ، ونكدة !!
فإن هذا الجهاز لا يلتقط لمثل هذا
الصنف من الناس ، إلا الأشياء النكدة التي تزيدهم اضطرابا وقلقا ..!!
ففي الحوار مثلا .. حين تجد نفسك تلغي
كل الحجج التي تسمعها من الطرف الآخر ، ولا تلتقط إلا الأمور السلبية ، وتركز على
أمور واهية فتزداد قلقا ونكدا ..!!
فاعلم أن السر هو أن نفسيتك في الأصل
متكدرة ، ومن ثم لم يلتقط لك جهازك الصغير إلا كل ما من شأنه أن يزيدك كدرا على كدر
!!
و يقولون أنك عندما تكون في حالة
معينة ، مثلا : شاب لم يتزوج وقد تقدم به العمر ، أو فتاة حدث لها ذلك ، أو نحو هذا
..
فإن هذا الجهاز يعمل على أن يحول بينك
وبين كل المعلومات ، التي من شأنها أن تعينك على رفع روحك المعنوية ، لمواجهة هذه
الحالة ، اللهم إلا إذا كان لك رصيد من إيمان ويقين ومعرفة بالله ، تجعلك تتغلب على
هذه الإيحاءات السلبية ..
ولكن السؤال
:
لماذا يفعل
هذا الجهاز هذا ؟
الجواب : لأنه قرر عندك أن هذا
الأمر مهم جدا بالنسبة لحياتك ..
ولماذا يعتقد أنه أمر مهم لحياتك ؟
الجواب : السبب يسير ، ذلك لأنك شغلته على ( موجة
مشكلة !! ) وأنت لم تفعل ذلك عمداً ، وإنما لا شعوريا ..! فجنيت على نفسك من
حيث لا تشعر !!
إنك توحي إليه أنك تعاني من مشكلة ،
وكأي خادم مطيع مخلص ، فهو لا يعارضك ، بل يعمل على التقاط كل ما يزيد عليك الأمر
سوءاً !!
فيعزز معتقدك بهذه المشكلة ، فيسير
على نفس تيارك الذي انجرفت فيه !
والواقع أنكما معاً تدوران في حلقة
مفرغة ، ستزيد الأمر عليك سواءً ، وللخروج من هذه الحالة ، يجب أن تبعث بـ( رسائل ) إيجابية واضحة !
وأول خطوة يلزمك القيام بها هي أن
تحمي نفسك من الأخبار السيئة ، والمشاعر السلبية ، حتى لا تمنح الضوء الأخضر لهذا
الجهاز أن يتعبك ويكدر عليك حياتك ..!
تجنب كل ما يمكن أن يخلق لك مشكلات
جديدة ، ولاسيما حين تكون نفسيتك منخفضة .. ابتعد عن أجواء الأصدقاء الذين يثرثرون
في نفس المشكلة .. اشغل هذا الجهاز في البحث عن حل . وهنا يقولون :
أنك ستجد نفسك أمام طريقين ، الأول
عمل قائمتين للموقف ، الأولى قائمة تضم المشكلات والنقاط السلبية ، والثانية تضم
الحلول والنقاط الإيجابية .. نعم إنها عملية متعبة ، لكنها فاعلة ..
فعندما تقدم له الأسود والأبيض ،
وتقول له : أريد القائمة التي باللون الأبيض ، فإنه سيقتنع ويتحول ناحيتها ، ويلتقط
لك كل ما يعينك للوصول إليها ..!
الطريقة الثانية : هي طريقة الحوار
الداخلي ، أي كلما وضع هذا الجهاز في راسك فكرة سلبية ، فبادر أنت ، وضع أمامه فكرة
إيجابية معاكسة تماماً لفكرته .. حاول وكرر المحاولة ، وستجد أن الأمور تسير بشكل
طيب ..
وأضيف بدوري :
غير أن هناك أمر في غاية الأهمية غفل
عنه هؤلاء الذين تحدثوا عن هذه القضية ، ذلك أنه على قدر منسوب معرفة الله تعالى
بأسمائه الحسنى ، وصفاته العليا في قلب الإنسان ، فإنه ي تيسر عليه أن يكون دائما في
المربع الآمن ، ويسهل عليه أن يتغلب على مشاعر الإحباط التي يمكن أن تتولد لسبب أو
لآخر ..
ذلك لأن معرفته العميقة والواسعة
بالله سبحانه ، تجعله على تمام الثقة أن أقدار الله عز وجل ، لابد أن يكون لها حكمة
، فهي بحكمة ، ولحكمة ، سواء عرفها الإنسان أو لم يعرفها ، قال تعالى ( إنا كل شيء خلقناه بقدر ) والآيات في ذلك كثيرة جداً
.. فكل شيء في هذا الكون ، بقدر وحكمة ولطف ورحمة ، وقد يتعرض الإنسان لأمر يراه
سلبيا ، فيتكدر ، لكنه حين يتعامل مع الله سبحانه على الوجه الصحيح ، يثق أن هذا
الأمر بعينه فيه حكمة ورحمة ولطف ، وأن اختيار الله له خير من اختياره لنفسه
..
ومن هنا وبهذه الروح الواثقة بالله ،
سيتوجه عمل هذا الجهاز _ الذي يتحدثون عنه _ لالتقاط كل ما من شانه أن يعمق المعرفة
بالله ، ويزيد منسوب محبة الله في القلب .. وهكذا ..:
( إن
الأبرار لفي نعيم ) في الدنيا .. وفي البرزخ .. وفي الآخرة ..!
فهل قررنا أن نكون من
هذا الصنف المتميز من البشر ..؟!
ألسنا نبحث عن النعيم
؟ بلى والله
..!
فالطريق إلى ذلك هو
معرفة الله سبحانه ، معرفة تحيل حياتك إلى جنة وارفة الظلال ، كثيرة الثمار ، طيبة
مباركة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ..!